حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٦٨
الجن، وفي أيديهم مشاعل توقد أطرافها بالخرق المغموسة بالقطران، ومن ورائهم غلمان آخرون يعتلون أحمالا من الحطب، وكالطيف المزعج أبصر الشيخان غير ذاهلين ولا مكترثين إلى النار ترسل ألسنتها في أطراف الدار، وتأخذها من كل جانب، ثم تمتد إليهما أيد غلاظ شداد فتخطفهما من موقفهما في باب مسجد عمار، وترميهما رميا سريعا فلا يعرفان كيف شد وثاقهما، ولا يشعران إلا وهما يجران جرا بأرجلهما، ورأساهما يعلوان وينخفضان على عنف السحب، في حفر الطريق ونواتئه وأمامهما جماعة من السفهاء، وخلفهما جماعة من المولدين، يرسل أولئك من أمام، ويرسل هؤلاء من وراء في عرضهما ألسنة حدادا فاحشة تسلقهما بأبذأ ما عرف من السب والهجاء، وهما على ذلك يستغفران الله ويسبحانه، ويذكران محمدا أجمل ذكر وأرضاه.
ولم تكن مكة تجهل هذا النبأ، ولكن ضجيج السفهاء أزعج صباحها، وأخرج الناس من بيوتهم يهرعون، وفيهم من محنة آل ياسر عواطف مختلفة تخوض هي الأخرى في أعماق الصدور معركة هائلة.. معركة صامتة إذا نبست في صف الأجلاف، فإنها خرساء في صف المحايدين والمنصفين، ولعل لتعاكس الأهواء هذي يدا في جمع حشد في الفريقين جد غفير، توافوا من هنا وهنا ولكل حافز، ولكل هوى، وخيل لأبي جهل أن هذا الحشد العظيم كله مجند لرأيه، زاحف تحت لوائه، فزها وورم وانتفخ وبذل أقصى ما عنده من فنون
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست