حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٧٠
الشهي إذا اشتعلت الهاجرة. فامتدت الأيدي الغلاظ الشداد بالأسواط تتلوى على جسمي الزوجين الصالحين تلوي الأفاعي، ولكن الأسواط كانت تئن ولا يئن الزوجان الصالحان، فإذا كلت السواعد، وغلب أبو جهل غيظا أمر بإخراجهما سحبا، فسحبا إلى مثوى عمار ينتظران معه اشتعال الهاجرة.
فإذا كانا من ابنهما غير بعيد هش لهما، وهشا له مغتبطين جميعا، كأن ليس بهم إلا العافية، وكأن الجنة التي بها وعدوا نشرت عليهم ظلالها منذ لحظتهم فهم فيها منعمون. قال عمار من قيوده: كيف تجد أنكما يا أبوي؟ فقالا بلسان واحد: كيف تجدك يا بني. قال: إن كان إيماني وكنتما بخير، كنت كذلك. وقالا: إن كان إيماننا وكنت بخير كنا كذلك. وقال ياسر: هنيئا لك يا عمار: ألا أبشرك ببشارة تثبتك فيما أنت فيه، لقد بلغني أن الله أنزل قرآنا يذكرك عامرا لمسجدك الذي حرقه المشركون فقال: {أمن هو قانت آناء الله ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب} فاستقبل عمار بشارة أبيه بعينين تفيضان دمعا من فرح ورحمة، وتومئان بالسجود شكرا وامتنانا.
ثم تأخذ هذه الأسرة الأسيرة في حديث من هذا يشد عزمها على الاستخفاف بما ينتظرهم من عذاب أبي جهل، مهما بلغ من الوقاحة والنكر والنكال.
* * *
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست