الجفاء والغلظة والقسوة، وزين له ما جهد ببذله ظنه أن التنكيل المنكر الفاحش يرفع معنوية هؤلاء الأنصار، ويخيف من ورائهم المسلمين والميالين إلى الإسلام فيصدهم عن الإيمان، ويردهم إلى الشرك ولو كشف له الغطاء لرأى غير ما قدر، ووجد أكثر هؤلاء المحتشدين من أنصار آل ياسر، وممن يتلقون عبرة الصبر في سبيل الحق، وممن تغريهم الفتنة بذوق هذه الحلاوة التي تصبر هذا الكهل وتصبر أبويه الشيخين على مثل هذا العذاب، ولكن أنى لرعونة الطاغية - كل طاغية - أن تستشف مثل هذه الحكمة، أو تنفذ إلى قرار هذه النفوس.
ولما قدم الزوجان الصالحان إلى جلادهما قال: كيف وجدتما وعد محمد أيها الخائنان؟ فقال ياسر: هذا ما وعد الله ورسوله. وقالت سمية: صدق الله وصدق المرسلون، ثم لم يزيدا. قال أبو جهل: أتلعنان محمدا وتثنيان عل آلهتنا فتسلما؟ أم تغدوان على عذاب لم تسمع بمثله الأذن، ولم تر مثله العين؟ قال ياسر: هذا ما وعدا الله ورسوله. وقالت سمية:
صدق الله وصدق المرسلون. قال أبو جهل: لا تطيلا اللجاجة. أنا أخير كما بين عبوس العذاب، وابتسام السلامة فكونا عاقلين ولا تتبعا هذا الأحمق الذي ولدتماه شؤما عليكما وعلى بني مخزوم، قال ياسر: هذا ما وعد الله ورسوله. وقالت سمية: صدق الله، وصدق المرسلون.
قال أبو جهل لغلمانه هذه المرة: أذيقوهما صبوحهما الطيب، ثم ارفعوهما إلى مثوى عمار، لينتظرا معه غداءهما