قريش مكتظة، ولكنها واجمة، ترى فيها ضربة حمزة ملونة تتخذ منهم أشكالا مختلفة، فيها الذل، وفيها النقمة، وفيها الحذر وفيها الثورة، وفيها العزم، وفيها الحيرة، وهي على تناقضها هذا هادئة هدوء البركان يلتمس المخرج، وأبو جهل ما يزال في مجلسه لم يفارقه، ودمه إعلان مثير، ينسب إلى حمزة التطرف والاعتداء، وإليه التعقل والإعذار، وينهض إعلانه - كما تصور - حجة لما عزم عليه من إجراء غير ملوم، ولعله يطمع أن تعطف عليه القلوب، وتثور لظلامته العصبيات، فيكون أولى بالقوة، وأجدر بالظفر.
وما لاح عمار يصاف زيدا على ملأ من قريش حتى تنفس الصمت، وكأن البركان وجد الثقب، فأخرج أول ألسنته، وصرخ أبو جهل بمن حوله: أرأيتم أشد صلفا من صلف هذا المقبل؟ سلوه هل استل زيدا من عبيد بني هاشم وأقبل به إلى نصرتي ومواساتي؟ أم استله زيد من عبيد مخزوم وأقبل به يسدد إلي ضربة أخرى: تالله ما رأيت كاليوم تغيرا في مكة!
لا الأرض أرضها ولا السماء سماؤها!.
وابتدر غلمان يستبقون إلى عمار يدعونه إلى سيدهم، فقال زيد: ماذا يبتغي أبو جهل من أبي اليقظان؟ قولوا له عني: إن عمارا مشغول عنه بواجب، وسيلقاه حين يفرغ من واجبه.
فقال أحد الغلمان: لا تدخل ذنبك يا زيد بين عمار وحليفه، عسى إن أدخلته أن يطبق عليه الفخ، وتتحمل تبعة ما أتى حمزة قبل سويعة. قال زيد: ويحك يا هذا ما أجهلك!. نحن