حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٧٩
أمنة في المدينة، ونجا إلى جنب النبي فيها من الفتنة والعذاب، ولكن حماسته للإسلام لم تخف، وسورته الإيمانية لم تهدأ، تحول استبساله الضاري في تحمل العذاب من الميدان السلبي، إلى استبسال ضار في تحمل الأعباء من الميدان الإيجابي، يرهق نفسه بما لا يرهق المسلمون به أنفسهم من الإخلاص المضاعف لله ولرسوله، ولكنه ذلك الصامت البعيد عن الرياء والثرثرة والفضول صمته طويل، وهو صمت تأمل ومعرفة، لا يقطعه إلا الضروري من الكلام، فإذا طال ولم تقطعه ضرورة، قطعة هذا التنفس المؤمن يرسل هذه الكلمة:
(عائذ بالله من فتنة) ثم يتصل. وكأنه كان ينتظر الفتنة - وقد ذاق أمرها طعما - من هؤلاء المنافقين الذين يرى صدورهم ما تزال حرجة بالإسلام، تنفس عليه وعلى غيره من المعذبين تقدمهم وارتفاع شأنهم، وتنكر على الإسلام أن سوى بينهم وبين أتباعهم، فهدم الفوارق، ومحا العصبيات، وأذهب النعرة، وآخى بين السود والبيض، وبين السادة والعبيد. كان عمار ينتظر الفتنة من أجل هذا كله، فيقطع صمته، إذا طال صمته، بهذا النفس المؤمن: (عائذ بالله من فتنة).
وأقبل النبي ذات صباح على (مربد) سهل وسهيل يتيمي عمرو النجاري، وقد أرضاهما بثمن قيم كافلهما معاذ بن عفراء ليكون مسجدا للنبي ومسكنا. فشمر النبي عن ساعديه يعمل في بناء المسجد كواحد من العمال المسلمين، وكأن هذه المساواة الإسلامية دعوة بلسان الحال لكافة المسلمين، أن
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست