حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢١
يدنو إليه الجوع من فوقه ولا من تحته، ففيها بيت الله، وعليها سدنته الأسماح المطيبون يبذلون لضيوفها الرفد والكرامة من أنفسهم، ويبسطون العدل في القضاء من حكومتهم، فهم آمنون وادعون كافلون للأمن والدعة، لا يروعون ولا يروعون.
فلما يئس الإخوان الثلاثة من العثور على فقيدهم في مكة، انحسر عنها مالك والحارث، واستقر فيها (ياسر) حليفا لمضيفه أبي حذيفة سيد مخزوم، يحفظه هذا، ويحفظ هو لهذا يده عنده، ويثيب إحسانه إليه وامتناعه به، بالوفاء له أكرم الوفاء وأصفاه وأخلصه. وكان أبو حذيفة كأخيه (هشام) من قبل، وكأخيه (الوليد) من بعد، زعيما سمحا كريما رضيا حافظا للمعروف مثيبا عليه، وكان حدبا على حليفه العنسي بوجه خاص، رؤوفا به رحيما، يؤثره بحب يضيفه إلى ما أخذ به نفسه من حلفه، وربما أضاف إلى هذا وذاك شيئا من احترامه لهذا العنسي الغريب الذي اضطرته الأقدار إلى الاعتصام بغير داره، ورمته إلى دار يطلب فيها الحماية من غير أهله، وعسى أن يكون، بل هو قد كان، ذا دار منيعة عزيزة، وذا أهل كرام أشداء، من أجل هذا حالفه أبو حذيفة، ثم أحبه، ثم احترمه، ولم يخيب ياسر ظن حليفه، فوفى له، ثم تصرف بوفائه وضعف اللاجئ، وبين كرامة النفس واستقلال الرأي. فكان من سلامة سلوكه ومن صفاء معدن حليفه معا أن عرف بعد ذلك مخزوميا له ما للمخزوميين، وعليه ما عليهم. يطوف
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست