كرامتهم، حين دعاهم محمد إلى إنقاذ هذه الكرامة. فلوموا أنفسكم إذا كان لا بد من لوم، واغضبوا عليها إذا كان لا بد من غضب. هذا رأيي فيما أنتم فيه من أمر هؤلاء المستضعفين، أعلنه إليكم على حقيقته وليس فينا غريب، فتدبروا الخطة على نوره، وأما ما رماني به ابن خلف، فلا أعتذر منه، ولا أرجع عنه إذا خلونا للحقيقة، إن لمحمد بعمه وجده فينا لمكانا لا يرقى إليه أحد في قريش، وله بنفسه مكان فوق ذلك، وهما مكانان لا يستقيم الارجاف بهما قبل الإعذار، ولا ينهض التنكر لهما إلا بالإنصاف. وقد زعمتم أن محمدا شاعرا، وأنه كاهن، وأنه ساحر، وأنه مجنون، وهي مزاعم لا تلبث إلا ريثما يخرج محمد إلى الناس، فإذا خرج تبينوا بطلانها، ثم تبينوا ببطلانها افتئاتكم على محمد وعلى حقه ثم خرجوا من هذا وذاك أصدقاء لمحمد، وأعداء لكم، وهكذا تنصرون محمدا من حيث أردتم خذلانه، وتنفعونه من حيث أردتم ضرره، لهذا أنكرت أن يكون ما يلقيه محمد شعرا، وأنكرت أن يكون ما يلقيه محمد سجعا، وأنكرت أن يكون ما يلقيه محمد نفثا، وأنكر أن يكون ما يلقيه محمد هذيانا، وأردت من إنكاري المكرر أن تكونوا في حربكم محمدا عقلاء تزعمون زعما يقف على قدميه بين الناس، وأن تقدروا قوة صاحبكم حق قدرها لتتجهزوا لها بما يفوقها أو يكافئها، فإن حربا تقوم على الغرور والغباء في جانب، وعلى التواضع والدهاء في جانب آخر، لحرب منتهية قبل الاشتباك.
(٤٣)