المحبوب إلا من تلك العقيدة، وقد توطنت في نفسه وامتدت واستمكنت، فإذا هي روحه الذي يتنفس ودمه الذي يجري.
وماذا تنتظر من شيخ تتيم كهولته عقيدة نيرة وتبصره على العذاب الشديد الغليظ فيها، وهي طرية الغرس لما تنشر عروقها في أنسجته وشرايينه، غير أن تنتضيه ذلك السيف العاصف، وقد هبطت جذورها إلى أخمصيه واشتبكت خيوطها في مشاشه، وفشت منه في كل غدة وفي كل حجيرة، حتى استحال دمه كله إيمانا وإخلاصا وحقا من الحق الصريح.
لم يكن الكهل الشاب يتلقى حز الحديد، ولفح النار، وضغط الماء، بلحمه ودمه، وإنما كان يتلقاه بعقيدته وإيمانه، فإذا لقي جلده: هذا الثوب من العذاب الشديد الغليظ أذى وتبريحا، فقد كانت نفسه: تلك الروح، تجد من التضحية لذة وترويحا.
ثم لم يكن الشيخ الفتى يصارع عدوه بساعده وعضله، وإنما كان يصارعه بدينه ومبدئه، فليس هو - في واقعه - جارحة تكل، ولا سيفا يمل، ولا ضربة تنبو، وإنما هو حقيقة تنصب على زيفها انصباب النور على الظلام يمزقه تمزيقا ويمحوه محوا.
فأي عجب بعد هذا في أن يصبر كهل على فتنة، أو يثبت على امتحان، مهما غلا هذا أو تلك في قسوة، أو بالغا فيها؟
وأي عجب بعده في أن تشب شيخوخة هذا الكهل وقد تبين