حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢٣٨
وسمع عمار عمرا بن العاص يخطب أهل الشام، بعد أن رآه يرسل بعض منافقي أهل العراق كالأشعث، فنهض ليجعل حدا لهذا الحرب الفكرية، ووقف في خيله لا ترعد صوته الشيخوخة، بل تجهره وتجلوه العزيمة يقول: (انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون المنكرون العدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين قالوا: لم قتلتموه؟ فقلنا لأحداثه. فقالوا إنه لم يحدث شيئا، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا، فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون ولو انهدمت الجبال، والله ما أظنهم يطلبون بدم، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها واستمرأوها، وعلموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها، إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام، يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا، تلك مكيدة ألفوا بها ما ترون، ولولاها ما بايعهم من الناس رجل. (اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب).
فلما انتهى من تحليله الواقعي للموقف كله، أمر هاشم المرقال وهو صاحب رايته بالزحف قائلا له: تقدم أيها الأعور!
تقدم فداك أبي وأمي، وانقض على أهل الشام فأزعج صفوفهم، فلما دنا من عمرو بن العاص في قلب معسكره قال
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست