ولم يسكت عمار حتى قبض على ناصية الموقف، وسيطر على عقول الناس وعواطفهم، غير أن أبا موسى لم ييأس، فعاد يكلم الناس ويحاول الرد على عمار، فقاطعه زيد بن صوحان قائلا: يا عبد الله بن قيس - وهو اسم أبي موسى - أتطمع أن ترد أمواج الفرات؟ دع عنك ما لست تدركه، وغضب لأبي موسى شبث بن ربعي، وبعض بني تميم، فتكلم قيس بن سعد، وشريح القاضي، وعلت الصيحة من هنا وهناك تؤيد عمارا، ويؤيد أضعفها وأقلها أبا موسى، فاضطر أبو موسى إلى الانسحاب إلى قصر الإمارة حيث نصب له فيه منبر انطلق منه يتابع دعوته إلى احترام عائشة، والتخلي عن نصرة علي، وكانت كثرة الناس في المسجد تلتف حول الحسن وعمار وأصحابهما، وقيل لهما: إن أبا موسى قائم على منبره في القصر فانتقلا بمن معهما إليه، عمار يفند منطقه، ويقيل رأيه، والحسن يأمره بالنزول عن المنبر ومغادرة القصر.
وبينا هم على هذه الحال إذا بضجيج يعلو، وجماهير تتدفق وأصوات ترتفع: هذا الأشتر... لقد جاء الأشتر. ويبتدر غلمان القصر إلى أبي موسى يؤكدون له قدوم الأشتر، قال الذي رآه: إمتقع وجه المسكين، وأفلجت شفتاه، وانحلت عزيمته، فزحف عن المنبر زحفا مقلوبا، وعاد من ذوات الأربع!.
وكان علي أرسل الأشتر لحسم النزاع، وكانت تصله أخبار الكوفة منظمة، فلما أطل الأشتر ابتدر الأشعري وهو يتدحرج