حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢٣٤
الأثر في توجيه الزمن ضد علي، ولم يكن علي يجهل شيئا من هذا كله، ولم يكن غيره أعلم منه بأن تغذية المطالع، والعودة إلى إحياء العصبيات، واشتراء الضمائر وسائل النصر المحقق في مثل هذه الردة التي اقتضتها روح الزمن في تلك الفترة، ولكنه رجل كان (لا يتخذ المضلين عضدا) كما قال حين أشار عليه المغيرة بإقرار معاوية على الشام، وحين طلب معاوية منه إمارة دمشق والقاهرة ثمنا لبيعته، فرفض الإشارة ورد الطلب ملتزما منهجه، غير غافل عما لم يفطن إليه ساسة عصره وساسة العصور المتأخرة عنه من خب ء في هذا الحل يظهر المساومة، ويبطن الغدر، على أن هذا الحذر - وهو ملحوظ - لم يكن الأساس في رفض استعمال معاوية، ولا القاعدة في عزله، فإنما كان إقصاء معاوية قائما على قاعدة إقصاء أبيه من قبل، وهي قاعدة مبدئية عبر عنها القرآن: (وما كنت متخذ المضلين عضدا) وكان لا يشك بأنها قاعدة بعيدة عن روح عصره، وأنها تجر عليه أعنف المكاره، وأصعب الشدائد، إلا أنه تطوع لحمايتها، وتحمل في سبيلها منازلة الزمن نفسه، لأنه أراد أن يكون (عليا) وما أراد أن يكون (معاوية)، ولأنه كان يحارب من أجل هذه القاعدة لا من أجل الملك، ولأنه لم يطلب النصر المؤقت، بل طلب النصر الدائم. وليس أدل على هذا كله من قوله لأصحابه حين تخاذلوا: (إني أعرف ما أحملكم به على الطاعة ولكن لا أصلح دنياكم بفساد ديني). فهو إذن يحارب الفساد المنتشر
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست