وكان معاوية في أكبر الظن أغلى الثمن لرأسه، كي يتخلص من حجته الناهضة في المعسكرين جميعا، كما أوصى برأس ذي الكلاع خيرا! فلو عاش ذو الكلاع بعد عمار لاتبعه أمره، وحيره إقناعه، وخلف ذي الكلاع أشد عصبة وأكثرها عددا، ومهما يكن من أمر فقد دلف عمار غير متحفظ، فلما استقر في الساحة نادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه فارس من السكاسك، فقتله عمار، وبرز إليه فارس من حمير فقتله عمار، وجعل يقتل كل من يبرز إليه، وكان أبو الغادية الجهني يتعقبه من أيام عثمان، وها هو الآن يلبد له، فتحين له فرصة انشغاله بالبراز، وينحسر الدرع عن ركبة عمار فيطعنه أبو الغادية ويطبق عليه معه فارسان آخران فيجهزان عليه، وإنها لصدفة من صدف الحظ الأموي السعيد أن يقتل ذو الكلاع لحظة مصرع عمار!.
قال المحدث: وكان لمصرع عمار صدى حزن بالغ في المعسكرين جميعا، وكان من أثره أن شلت حركة الدفاع في معسكر معاوية. وارتفعت الحماسة في معسكر علي، فقد كان في المعسكرين جميعا نفر ينظرون إلى قتل عمار مترددين قبل مصيره، فلما قتل تبين لهم الحق، فاستخذوا هناك، واستضروا هنا حتى هزم أهل الشام، واضطر معاوية وعمرو إلى خداع معسكرهم بالتأويل، واتقاء عدوهم بالأحابيل، ولولا القدر الغالب لسار التاريخ في غير اتجاهه الذي خطه الأشعث بن قيس بنفاقه وانشقاقه.
قال المحدث: لما قتل أبو الغادية عمارا تصايح الناس من