اليوم، فستموت غدا، فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك؟) وغاص في أوساط القوم.
قال المحدث: وكانت حملة عمار هذه بداية لمعركة طاحنة دارت رحاها فلم تدر رحى حرب بأشد مما دارت عليه هذه من نكر وعنف وشدة، استمرت ثلاثة أيام، وثلاث ليال، وكانت ثالثتها (ليلة الهرير).
رجع عمار بكتيبته مرة أصيل يوم فاستراح، وظن الناس أنهم مستريحون ليلتهم تلك من معاناة السيوف، ولكن عمارا يسمع أحاديثهم النفسية هذه، فيثور لسيفه، ويكز صاحب رايته (المرقال) ويصيح في الجند: (من رائح إلى الجنة؟ الجنة تحت ظلال الأسنة! اليوم ألقى الأحبة، اليوم ألقى محمدا وحزبه) ويندفع، ويندفع خلفه الناس، وإن الشمس لتأوي إلى خدرها، ولا يضئ الأفق غير بارقة السيف، وشرارة الضرب.
واستراح مرة أخرى، وكانت الشمس تنشر شعاعها الصافي متعاكسا على نهر دم تنشز فيه الأشلاء نشوز الصخور في الضحل من الأنهار، ولم يكد يهدأ حتى بصر عمرا بن العاص يحمل راية معاوية، فتذكر أمرا، ونهض لسيفه، ولكز صاحب رايته وقال: والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعرفت أننا على الحق، وأنهم على الباطل، تلك راية قاتلتها بين يدي رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة.
ثم اندفع وإنه ليقول لهاشم بن عتبة المرقال: تقدم أيها الأعور، تقدم فداك أبي وأمي.