حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢٤١
وظل كذلك لا يهدأ ولا يستقر، يجهد نفسه، ويجهد جيشه، وينصب على عدوه انصباب موت صاعق مفن مشبوه، حتى كان يوم هذه المعركة الثالث، وكان قمة الأيام في الاستبسال والإقدام والكر، وعمار يومئذ صائم، وعمره أربع وتسعون سنة، وهو منصب على عدوه انصباب مستميت، يقدم أمامه هاشما بالراية، وهاشم يستمهله ويستأنيه ويطلب إليه أن يكل إليه أمر الزحف، ولكنه يهيب به: تقدم أيها الأعور، فداك أبي وأمي، ويتقدم، فتجفل خيل الشام، ويتردد ذو الكلاع الحميري وهو عمدة الجيش الشامي، فلا يقتحم صفا يندفع به عمار، ويبلغ أمره معاوية، فيسقط في يده، ويأتيه هو ووزيره فيخدعانه، ويقسمان له أن الذي حفظه في عمار لحق، ولكن عمارا سينتهي إليهما أمره، وما عليه إلا أن يخوض هذه المعركة، ويرى إذا انحصر غبارها، عمارا في صفه، فإذا لم يجده كذلك كان للتردد في الحرب خلال الأيام المقبلة مجال واسع. ومضى النهار الثالث كله، وعمار في الميدان أثبت ما تكون الفرسان الأشداء موقفا، فلما مالت الشمس إلى المغيب، ودخلت (ليلة الهرير) طلب ماء ليفطر، فجئ إليه بإناء فيه لبن، فابتسم قبل أن يشربه ابتسامة أشرقت فيها نفسه وقال: قال لي حبيبي رسول الله: " آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن " ثم شرب اللبن وكر بكتيبته مقبلا على جنة يراها، ويرى فيها إلى النبي يستقبله بما كان يستقبله به في هذه الدنيا.
(٢٤١)
مفاتيح البحث: الشام (1)، الوسعة (1)، الحرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست