حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢٣٥
في نفوس الناس، ويحاربه هذا الفساد المستشري في نفوس أصحابه كما يستشري في نفوس خصومه، ولا مكان لمعاوية في هذا الميدان لولا تطوعه للفساد، أما ما يدعى له من الدهاء ومضاعفات كفاءته فخصال معارة أضفاها عليه الواقع الذي لا بد منه، ولا أريد أن أحرم معاوية من مؤهلاته الانتهازية، ولكني أريد أن أخرجه من إطار العبقرية الذي صوره خداع النظر، وأريد أن أرجع فوزه إلى مصادره الصحيحة من ثبات علي على مبادئه الحق، ومن تقديم الناس مطامعهم على هذه المبادئ بنزعة فردية محدودة النظر، ومن التمهيد التاريخي لتفريق الناس عن هذه المبادئ، ومن اندفاعة الزمن بناسه نحو الفساد الذي زين لهم أن الحياة لمن غلب، وأن الغلب إنما هو باكتناز المال، واحتكار الفرصة، وبسط النفوذ، وبلوغ المطمع، ولو أن عليا اصطنع شيئا من المداهنة لأبطل مفاعيل العوامل التالية لهذا العامل الرئيس - أعني المداهنة - وهزم معاوية بأسهل مما هزم به الناكثين.
شغب معاوية في ذاته لم يكن كبير الخطر في مقاييس الوعي الإسلامي الصحيح، ولكن خطره الشديد جاء مما حف به من ظروف وعوامل كان أخطرها على الاطلاق استقامة علي بالذات.
وعلي الآن في الكوفة يستهون أمر معاوية كما يستهونه كل مفكر ذي وزن في هذا العصر، ولكنه يحسب حساب الأقدار التي مهدت لمعاوية من الأحداث، وهيأت له من الظروف ما
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست