صحابيين إلا أنهما ناكثان خارجان على سلامة الدين وأمن الدولة، فقتالهما وقتلهما لا يحتاج إلى فتيا ولا دليل، ثم دعا الجمهور إلى لقاء علي، إن لم يكن لنصره فلجداله وتبين الحق في مناظرته، فإن كان معه نصروه، وإن كان عليه خذلوه.
وإنك لتلاحظ في خطبة عمار وضوح الطابع الديمقراطي المعتمد في إثبات الحق على الحرية، وقوة الإقناع قبل الاحتكام إلى السيف، والحق أن هذه إنما هي روح علي في تلميذه وطريقته في معارضته وحكمه جميعا، فقد كان يعطي للمعارضة من الحرية أوسع ما تعطيها الحكومات في أحدث المجتمعات الديمقراطية اليوم وهذا ما عيب عليه، وعد ضعفا في سياسته، وهو في الواقع قمة القوة في هذه السياسة.
وكان أبو موسى يعرف لعلي هذا الرأي السمح، لذلك امتنع على رسله إليه، ولذلك استمر في امتناعه، وها هو ينهض بعد عمار فيقبل على الجمهور بما عنده من رأي وحجة، فيوجه الناس نحو القعود وينصح لهم بالسكينة، واجدا من (الأخوة الإسلامية) و (حرمة الدماء) و (تجنب الفتنة) أدلة على وجوب وضع السلاح، ومضى قوي العارضة، مستقيم المنطق، متسق البيان ينهاهم عن نصرة علي ويأمرهم باحترام أم المؤمنين، ويرشدهم إلى الاعتزال حتى يكون مثير الفتنة حطبا لنارها، ولم يفته أن يبني كلامه على القرآن والأحاديث والقواعد الإسلامية العامة المسلمة، وكان من أعظم الأحاديث