على صفقة لا يكون ربحها المادي مضمونا، لهذا كله تملص من أبي اليقظان واستمهله (حتى تنجلي الظلمة ويطلع قمرها فيسري مبصرا) وهو جواب شبيه بالمغيرة شبها صريحا مستقيما لا غموض فيه ولا التواء ولكن (الداعية) من طبيعته الالحاح، فيكر عليه عمار قائلا: معاذ الله يا مغيرة! تقعد أعمى بعد أن كنت بصيرا؟ أنظر ما ترى وما تفعل أما أنا فلا أكون إلا في (الرعيل الأول). ولم يقل عمار (أنا) بوصفه عمارا ولكن بوصفه (علامة هدى). ومضى آخذا بزمام المغيرة يشكمه بالحجة تلو الحجة، والمغيرة يروغ، وكان علي يسمع الحوار، وكان الحوار عقيما دون شك، فيقول علي (دعه - يا عمار - فإنه لم يأخذ من الدين إلا ما قاربه من الدنيا، وعلى عمد لبس على نفسه، ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته).
* ولم يعجبه اعتزال عبد الله بن عمر فاستأذن أمير المؤمنين في مناظرته ودعوته إلى نصرة الحق، ثم ذهب إليه باسم الإسلام، يزيح عنه شبهات عزلته بوعي المسلم المجتهد، ومنطق العالم القانوني فيقول له: (يا أبا عبد الرحمن: إنه قد بايع عليا المهاجرون والأنصار، ومن إن فضلناه عليك لم يسخطك، وإن فضلناك عليه لم يرضك، وقد أنكرت السيف في أهل الصلاة - أنكر ذلك قبل عهد علي - وقد علمت أن على القاتل القتل، وعلى المحصن الرجم، هذا يقتل بالسيف، وهذا يقتل بالحجارة، وأن عليا لم يقتل أحدا من أهل الصلاة فيلزمه حكم القاتل).