الأحزاب، وأفسدت الآراء، ولم يكن أحد أولى من عمار أن يتأثر بعوامل هذه الأحداث، في مضطربها العنيف هذا، وكان من أقرب آثارها منه، وأسرعها إليه أن تكشف منه عن (شخصية) الداعية وواضح بعد ذلك أن لهذه الشخصية أدوات ليس منها الصمت، على أنه لم ينفجر صمته منذ اليوم، بل رأيناه منفجرا منذ العهد العثماني، فإن لاحظنا اختلافا في لهجته بين السلب والإيجاب، فإن جوهره واحد يستمد استقامته من شخصيته هذه: شخصية (الداعية).
بلغ عمار القمة من ثقة الناس وتقديرهم بسبب ما أرسل النبي فيه من ثناء، وبسبب ما قدمه عمار من استقامة في السلوك ولكن عمارا كان يرى استقراره في هذه القمة لا يتم إلا بالإخلاص لعلي، والنصح له والتضحية في سبيله، وكان يرى أن عمره المديد الحافل بالمشاق والأمجاد إنما كان تمهيدا لدوره الحقيقي الذي بدأ يمثله في عهد علي، وقد حدثه النبي عن نفسه وعن غيره وألقى إليه أمورا في نفسه وفي غيره، وقد تحقق ما حدثه به النبي وما ألقاه إليه كله إلا حديث مصرعه بيد الفئة الباغية، فماذا يدخر أخلد من هذا المصرع؟ وماذا يأمل بعد التسعين؟ وهذه الفتن هابة، وهو علامة الحق في نظر الناس، وعلي هو الحق في نظره؟
لا صمت بعد اليوم، ولا تقية، ولا احتياط، قال ذلك في نفسه وانهمر كلمة عذبة صارمة، وحركة خفيفة نشيطة، ونضالا نضال اليد واللسان.