يستقبلون معلمهم متحفظين، ويهتمون أول ما يهتمون باكتشاف شخصيته، فإن وجدوه طيب القلب، كريم الشمائل، أراحوا أنفسهم في معاناته، وإن وجدوه حازم الإرادة، صعب المراس كان كل همهم إرضاءه، والإسراع إلى طاعته، كذلك كان أهل الكوفة مع ولاتهم وحكامهم. أما عمار فيعرفونه، وقد نجح في امتحانهم من قبل، ولكن الحسن جديد عليهم، إنهم يعلمون أنه ابن إمامهم وسبط نبيهم، وسيد شبان أهل الجنة، ولكنهم يستقبلونه متحفظين، ويرسلون إليه عيونا وآذانا ناقدة، فيأخذهم الحسن بروعة جماله، ويأخذهم بوقار سمعته، ويأخذهم بسحر بيانه، ويظهر لهم تفوق هذا الحديث الشاب في أول موقف وقفه على جمهورهم، خافوا عليه العي والحصر قبل أن يتكلم، فلما انطلق وهدر وتفجر قالوا: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
فلما جلس الحسن نهض عمار - وكان أحاط بأخبار الكوفة في القادسية من طريقه - وأقبل على الجمهور محتبيا بحمائل سيفه، يستعرض مبادئ الإسلام، ويعرض للقيم النضالية فيها، ويشرح في ضوء هذا كله خصائص علي ومواقفه وميزاته، ثم ينتهي إلى مشكلتهم الحاضرة التي تمتحنهم بأحد محذورين: مخالفة الدين، أو حرمة أم المؤمنين، وحل لهم هذه المشكلة حلا فقهيا صريحا، محكما في الحل تقديم الأهم وهو حفظ الدين، على المهم وهو احترام أم المؤمنين، ولم يكن عنده لطلحة والزبير كبير خطر، فهما وإن كانا