وخرج، وجاءته أموال العراق فقسمها في بني أمية خاصة، وزوج الحرث بن الحكم إحدى بناته فوهبه بهذه المناسبة مئة ألف، في أحداث من هذه لا تحصى، شجعت الأقوياء على انتهاز فرص الاثراء غير المشروع، بل ذللت لهم في كثير من الأحيان هذه الفرص على عمد، لتشركهم بالأوزار وتقعدهم عن المعارضة، فإذا الزبير ينمو نموا ماليا عجيبا. ترتفع مبانيه في الكوفة والبصرة ومصر، ويبلغ نقده خمسين ألف دينار عدا ألف فرس من الحيوان، وألف أمة من الإنسان. ومساحات عظيمة من الأطيان، وإذا طلحة يرتفع له قصر في المدينة، وآخر في الكوفة ويبلغ دخله اليومي من غلاته في العراق ألف دينار في كل يوم، وإذا زيد بن ثابت يجمع من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس غير ما يملك من الضياع التي قدرت بمئة ألف دينار، وإذا عبد الرحمن بن عوف تتضخم ثروته حتى تزيد على نصف مليون ومليوني دينار عدا الإبل والخيل.
إلى غير هؤلاء ممن فتنوا بالمال، ولذ لهم الامتصاص، فأقبلوا على ما أقبل عليه الأمويون، وممن أشار إليهم عثمان من حصاره وهو يستنجد عليا إذ قال: (وقد اتهمني من لا يدفع عن نفسه) ونسي أن مسلك الأمويين هو الذي فتح الباب، وألجمه عن إدانة هؤلاء وغيرهم بما يدينهم به الحق المعطل.
على أن هذا كله كان مما يسكت عنه، ويصبر عليه، حتى يأذن الله باستدعاء الخليفة إليه، لو أن الخليفة وسع النقد، وعدل عن تصويب هذا المنهج بادعاء الصلاحية المطلقة حينا،