حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٥٥
ابن سمية وياسر ذلك الجبار على أبي جهل وعذابه، لا تنتظر منه كبرا ولا بطرا ولا غرورا. لقد وجد نفسه سيدا فوق السادة حقا ولكن ذلك لم يزده إلا تواضعا وخشوعا وإيمانا بالحق من هذا الدين الذي أوحاه الله، وجاء به الرسول. مضى إلى شأنه أميرا كالعهد به وهو رعية، وللإمارة سلطان خارج عن ذاته، هو فوقها عنده، وليس حظه منه إلا بسطه على الجميع في مداره العام، فلو أدانه نفسه لأخذ من نفسه ما يأخذ من غيره دون فرق، فإذا فرغ من الأمور العامة خلع ثوب الإمارة، وعاد عمارا كما هو ذلك المواطن الوديع الصامت المفكر، لا يستعلي، ولا يتبجح، ولا يحتجب، بل يخالط الناس كأحدهم، ولعله يخالطهم كأدناهم، يزاحم فلا يغضب ويماكس فلا يستعين بالإمارة، وقد يغلظ عليه القوم فلا يرد إلا بالابتسام، فإذا تكلم لم يقل هجرا، ولكن دعاء يرجو به للمعتدي مغفرة أو خيرا.
حدث ابن سعد فقال:
اشترى عمار قتا (1) بدرهم فاستزاد البائع حبلا فأبى عليه البائع، فجاذبه الحبل حتى قاسمه إياه ثم حمل ألقت على ظهره وهو أمير الكوفة.

(1) ألقت: نوع من النبات يزرع لأكل الماشية خاصة وكان أهل البادية يأكلون حبه في أيام القحط. يظهر من هذه القصة أن راتب عمار اليومي كان يتحول أغناما.
(١٥٥)
مفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست