حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٥٨
الحديث غامض - كما ترى - ولكن الذي نعرفه من نزعة عمار يلقي عليه ضوءا، ويزيل عنه هذا الغموض الذي بسطه عليه إبهام هذا الصنيع المنسوب إلى علي، ولك أن تفترض مطرفا إنما ذكر عليا بخير في صنيعه، ولك أن تفترض أنه شنع على علي في صنيعه، فإن مدح مطرف لعلي وهجاءه لا يغيران شيئا من جواب عمار الصريح الشبيه به، فإن كان مطرف قد ذكر عليا بخير، وفهم منه عمار التعريض بالخليفة - وهو الأشبه بمجرى الحوادث - كان انتهار عمار إياه، معناه إساءة الظن به، واتهامه بالتجسس عليه لمعرفة رأيه بعمر بعد تأميره له، ومن أقرب الأمور إلى وعي عمار أن يكون يقظا حذرا في مثل هذه الأحوال.
وإن كان مطرف قد ذكر عليا بما لا يرضى عمارا - وهو ما لا نظنه - كان جواب عمار الصدى المنتظر لولائه ونزعته، وكان معناه لفت نظر مطرف إلى مواضع من سيرة الخليفة لا تبرأ من النقد، يقابل بذلك مطرفا متأتيا لإسكاته.
ومما لا يكاد يشك فيه أن عمارا بإمارته هذه كان يجتاز امتحانا قاسيا صعبا، وأنه كان يمضي في امتحانه هذا ماهرا محترسا ثابت القدم في مبدئه، وأنت لا تدري ما هي المسألة التي سئل عنها وأنسأ الجواب عليها إلى وقت الحاجة، وأنا مثلك لا أدري ما هي؟ ولكن لا نظن أنها كانت تتسلف رأي عمار بالخليفة بعد عمر؟ ثم ألا نظن أن المسألة كانت مدسوسة دسا لم يخف على عمار الذي فطن إلى أنها جس
(١٥٨)
مفاتيح البحث: الحاجة، الإحتياج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست