وأبعد الناس عن كل شائنة. فبماذا يتقدم الواشون عليه إذن؟ أنا لا أجزم، ولكني لا أستبعد أن تكون الوشاية عليه شيئا يتصل بالنشاط الحزبي الذي يكرهه الخليفة ولا يرضاه لعماله، وربما أيد هذا الظن دعاء عمار المتصوف اللبق الزائغ عن الجواب، وإن أعطى معنى الانكار.
ومهما كان من أمر فالثابت أن عمر عزل عمارا بعد هذه الأحداث التي جمجم بها الحديث، ولم يصرح بها التاريخ، فما ندري أكانت من الدقة في عمل عمار المركز بحيث تخفى، أم كانت للحديث والتأريخ سياسة معينة تمنعهما من التصريح وتفرض عليهما الجمجمة؟ وما ندري، أما الذي ندريه فهو أن الحديث والتأريخ جمجما وأجملا، وأن عمر أبقى عبد الله بن مسعود وزير عمار، وعزل عمارا لا لسبب ظاهر إلا لأنه كان مغرما بعزل العمال وتبديلهم - كما قالوا - وأن عمر قال له حين لقيه في المدينة بعد عزله: أساءك عزلنا إياك؟ وأن عمارا أجابه بصراحته وصلابته وترفعه فقال: (لئن قلت ذاك، لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني) وهو جواب ينسجم انسجاما تاما مع الاستنتاجات المحتملة لأسباب عزله، ولا يبعد عنها سؤال عمر نفسه وإن جاء مرنا مرونة عمرية - ولعمر مرونة حين يحتاجها تعلم الدهاة المرونة - فهو في الواقع لا يستطلع وقع العزل في نفس عمار، وإنما (ينشئه) مرة ثانية بصيغة الاستفهام، وفي ظلاله التوبيخ والتأديب الذي يبلغ حد التشفي، مشيرا إلى سبب العزل الذي