فيسأله الرجل الظريف عن محتوى الكتاب، فيقول أبو حفص:
لا أدري. ويقول الرجل على الملأ: ولكنا نعلم (أمرته عام أول، وأمرك العام).
ليس المهم رأي الصحابة وسائر الناس في هذا العهد، ولكن المهم أن أحدا منهم لم يفكر بمعارضته ولا الخروج عليه، وأهم منه أن أبا بكر استفاد من تجربة بيعته ما فرض عليه أن لا يفارق هذه الدنيا حتى يرى إلى خليفته قائما مؤيدا بالجيش، وأن عمر استفاد من اطلاعه على آراء الصحابة بعهده، فحجر عليهم الخروج من المدينة لئلا يفتنوا الناس، ولئلا يفتتنوا بالناس، وأبقاهم قريبا منه خاضعين لرقابته مستفيدا من آرائهم ومعارفهم ما يؤيده في فتوحه، ويمتعهم في راحتهم.
وأهم من هذا وذاك أن الأمور اتسقت له أتم الاتساق، واستقامت له أعظم الاستقامة. أشغل الناس بالجهاد فمد ظل الدولة، وأنمى مواردها الاقتصادية، وأغدق الأعطيات أمينا على مال المسلمين، عادلا بالقسمة، شديدا في الأمانة والعدل، مستعينا على تنظيمهما بالأخصائيين ممن دونوا له الدواوين، وأحصوا له العاملين والعاجزين في تشكيلات حضارية تبينت فيها أهمية الاحصاء كأساس للميزانية والتموين والجيش وغيرهما من دوائر التخطيط المدني، على نحو حقق الضمانات الجماعية تحقيقا مرضيا، يرضي المعارضة البناءة التي لا تطمح من الحكم إلى أكثر مما حقق، ويقطع ألسنة