أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ١٣٢
وأنت وهم يعلمون أن درة تاج مفاخر مصر، وغرة جبين مآثرها هو: " الجامع الأزهر " (1) وهو من مآثرهم ومنشآتهم. ذلك العهد الجليل، الميمون النقيبة،
(1) يعد الجامع الأزهر وذلك مما لا خلاف فيه من المآثر الاسلامية الخالدة التي استطاعت ورغم تقادم الدهور والعصور أن تبقى شاخصة ثابتة تحكي للأجيال مآثر الحقب والسنين التي شهدت إشراقة شمس الاسلام على بعض الدول والمدن رغم ما أحاط بهذا الدين العظيم من الكيد والمحاربة.
والجامع الأزهر كان ثمرة واحدة من تلك الثمار المباركة والطيبة، حيث أنشأ في زمن الدولة الفاطمية، واسمي بالأزهر تبركا باسم سيدة نساء العالمينفاطمة الزهراء عليها آلاف التحية والسلام.
بنى هذا المسجد جوهر الصقلي، قائد جند أبي تميم معد بعد عام من فتح الفاطميين لمصر وإقامتهم لدولتهم فيها عام (359 ه)، وحيث تم بناؤه وأقيمت أول صلاة جمعة رسمية فيه في يوم الجمعة سابع شهر رمضان عام (361 ه 972 م)، وكانت تقام قبل ذلك تارة في جامع عمرو، وتارة في أخرى في الجامع الطولوني.
بقي المسجد آنذاك محطة للمصلين وطلبة للمحصلين، وحيث عقدت بعد تأسيسه ببضع سنين أول حلقة للدرس من قبل قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان القيرواني، حيث قرأ آنذاك مختصر أبيه في فقه آل البيت عليهم السلام، وكان ذلك في صفر عام (365 ه - 975 م).
بقي هذا المسجد يتلقى الرعايا والعناية من قبل الحكام الفاطميين، وحيث زاد في بنائه المستنصر والحاكم ووسعا فيه، وكان يقابلهم كثرة توافد الطلبة والدارسين على طلب العلم في أروقته، والتزود من أساتذته، وبقي هذا الحال ردحا من الزمن، حتى انقضت دولة الفاطميين وجاء صلاح الدين الأيوبي، فشهر سيفه وذلك مما يؤسف له لمحاربة الشيعة وقتلهم تحت كل حجر ومدر، وطمس آثارهم ومآثرهم، وكان نصيب الأزهر من ذلك منع الخطبة فيه، وقطع الكثير مما أوقفه عليه الحاكم، واستمر ذلك ما يقارب القرن من الزمان حتى أمر الملك الظاهر بيبرس بإعادة الخطبة فيه، وشجع على التعليم في أروقته، بل وزاد بعض الشئ في بنائه.
وهكذا فقد شهد الأزهر وطوال الحقب الماضية أشكالا مختلفة من المد والجزر، تأثرا بالأحداث المختلفة التي أحاطت به وبالعالم الاسلامي، ولكنه بقي أثرا خالدا شاهدا على تلك الحقبة الماضية التي تولى فيها الفاطميون حكم مصر وإدارة شؤونها.