هذا مضافا إلى أن القاطع، ما دام قاطعا - كما هو المفروض - لا يتمكن من تمييز موارد خطأ قطعه عن غيرها، لأن احتمال الخطأ في بعضها ينافي قطعه فيه، فكيف يقطعه بالخطإ فيه إذ القاطع لا يكون قاطعا الا بكونه جازما لعدم الخطأ فهو ما دام قاطعا لا يحتمل توجه النهي - عن التجري المحض المأخوذ فيه الخطأ - إليه فلا يعقل كون المحرك له إلى العمل في تلك الحال ذلك النهي فيلغو () توجيهه فيها وبعد زوال قطعه قد قضى الأمر لانقضاء زمن العمل فيلغو () توجيهه إليه بعد الزوال أيضا لأنه حال القطع الذي هو زمن العمل إما يعمل به أو يخالفه.
وعلى الأول يلزم من النهي بعد زواله طلب الحاصل، لحصول الغرض منه قبله.
وعلى الثاني يلزم طلب المحال، لامتناع قلب ما صدر إلى نقيضه بعد تحققه فيمتنع توجه النهي المذكور إليه في جميع الحالات فتبين أن التجري ليس من مقولة ساير العناوين كالظلم والكذب لأن يصلح للنهي عنه وإنما هو من مقولة العصيان الغير القابلة له.
ومن هنا يظهر أيضا أن قبحه على تقديره ليس كقبح الظلم والكذب فإن قبحه إنما هو من جهة كونه تضييعا لحق المولى، لأن من حقه على العبد أن لا يهتك العبد حرمته وهو هتك لحرمته وقبحه من هذه الجهة لا يختص بمولى دون مولى ولا بعبد دون عبد، ولا بما إذا لم يكن الفعل المتجري به في نفسه أمرا ذا مصلحة بل هو ثابت فيما إذا كان ذا مصلحة أيضا بل العبد مذموم عند العقلاء من تلك الجهة مطلقا.