يقتضي في شيء منهما إلا عقابا واحدا.
والمصنف ومن سبقه إلى عنوان هذه المسألة قد جعله محط النظر فيها مطلق التجري فإنهما قد تذاكرا للإشكال المذكور ولم يجيبا عنه بعدم اجتماع السببين، بل أجاب عنه ذلك الشخص المتقدم على المصنف بتداخلهما والمصنف قد التزم به على القول بحرمة التجري وكونه سببا مستقلا إلا أنه قد استراح عنه بمنع أصل السببية.
فحاصل ما يظهر منهما جعل النزاع في المسألة في حرمة مخالفة القطع باعتبار التجري شرعا من غير اختصاص له بالغير المصادف معه الحرام الواقعي.
لكن دعوى الحرمة الشرعية للتجري دون إثباتها خرط القتاد، لعدم ما يصلح للدلالة عليها من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فالدخولي منه أي الاتفاق المشتمل على المعصوم عليه السلام معلوم العدم، والحدسي منه على تقديره قد عرفت حاله في أمثال المسألة.
وأما العقل فغاية ما يحكم به على تقدير حكمه إنما هو قبح التجري والانتقال من القبح إلى النهي الشرعي إنما يصح ويكون فيما إذا علم بصلاحية المورد للنهي كما أن الانتقال من الحسن إلى الأمر الشرعي إنما هو فيما إذا علم كون المورد مما يصلح للأمر به.
وما اشتهر من أن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع لا ينافي ذلك، لأن المراد به إنما هو توافق الشرع للعقل فيما كان صالحا للخطاب، فليس ما ذكرنا تخصيصا له نعم ينتقل منهما إلى مبغوضية الشيء للشارع أو محبوبيته له - كما في الإطاعة والمعصية الحقيقيين - فإن العقل مستقل بحسن الأولى وقبح الثانية على وجه يعلم منه محبوبية الأولى ومبغوضية الثانية له مع عدم كشفه عن الأمر والنهي لعدم صلاحيتهما لذلك، لما تقرر - في محله - من أن الأمر بالأولى