ثم إنه ظهر مما حققنا: أن النزاع في المقام - فيما إذا تعلق الوجوب بعنوان كلي والحرمة بعنوان كلي آخر مع كون النسبة بين ذينك العنوانين هو العموم المطلق أو من وجه - مبني على تعلق الأحكام بالطبائع دون الأشخاص.
وتوضيح عدم جريان النزاع بناء على تعلقها بالأشخاص: أن المفروض من الحرمة في محل النزاع هي الحرمة العينية حتى بالنسبة إلى مورد الاجتماع، لما قد عرفت من أنها لو كانت تخييرية لا شبهة في جواز اجتماعها مع الوجوب التخييري شرعا أو عقلا، ومن المعلوم أنه - بعد فرض حرمة مورد الاجتماع عينيا - لا يعقل الترخيص فيه، فكيف بطلبه ولو تخييرا؟ فإنه - مضافا إلى كونه سفها وعبثا لخلوه عن الفائدة - آئل إلى التناقض، ومثل ذلك لا ينبغي أن يخفى على أحد حتى ينازع فيه، فلا نظن بأحد مثله.
والحاصل: أنه بعد فرض تعلق الوجوب بالأشخاص التي منها مورد الاجتماع يكون هو تخييريا شرعا بالنسبة إليه، ومجرد الجواز الذي يتضمنه الوجوب التخييري يناقض حرمة ارتكاب مورد الاجتماع، فكيف بطلبه؟ فيكون عبثا وسفها أيضا لذلك.
ومن هنا علم حكم عكس هذه الصورة، وهو ما كان الوجوب فيه عينيا بالنسبة إلى مورد التعارض، والحرمة تخييرية بينه وبين غيره، لعين ما مر من السفه ولزوم التناقض، وهذا المحذور لا يلزم على تقدير تعلق الأحكام بالطبائع، فإنه إذا فرض حرمة مورد الاجتماع عينيا فلا يكون الأمر بالعنوان الكلي الآخر المجتمع مع الحرام في ذلك الفرد آئلا إلى التناقض والسفه كما لا يخفى، لاختلاف موضوعي الأمر والنهي، وعلى تقدير لزومه فهو خفي غاية الخفاء، فيمكن وقوعه محلا للخلاف.