ثم إنه قد ينسب إلى المولى البهبهاني قول آخر في المعاملات غير الأقوال المتقدمة، وهو أنه إذا كان الدليل المقتضي لصحة المعاملة مناقضا للتحريم فالنهي يقتضي فسادها، وإن كان غير مناقض له فلا، إذ مع مناقضته للتحريم يرتفع بورود النهي عن مورده، فيبقى المورد بلا دليل يقتضي صحته، وعدم الدليل على الصحة يكفي في الفساد. هذا.
ويتجه عليه: أن الدليل المقتضي للصحة - كقوله تعالى: أحل الله البيع (1) وقوله تعالى: أوفوا بالعقود (2) ونحوهما - إن كان متعلقا بنفس المسبب، أي ذات المعاملة، دون آثارها، أو ترتيبها عليه، فالنهي وإن كان يناقضه إلا أنه غير مقتض للصحة - كما لا يخفى - لعدم الملازمة بين علية ذات المعاملة ووجوب الإتيان به أو استحبابه - مثلا - وبين وجوب ترتيب الآثار عليها بوجه الذي هو معنى الصحة، فلا معنى لتسميته بالدليل المقتضي للصحة، وإن كان متعلقا بترتيب الآثار فهو وإن كان مقتضيا لها إلا أنه حينئذ كسائر الأدلة المقتضية لها الغير المناقضة لتحريم المعاملة، فلم يبق وجه لهذا التفصيل أصلا.
والتحقيق أن يقال: إن الدليل المقتضي لصحة المعاملة إنما هو متعلق بترتيب آثارها عليه، فحينئذ إن كان النهي متعلقا بنفس المعاملة فهو غير مناقض لذلك الدليل بوجه، لعدم المنافاة بين تحريم الإتيان بسبب وبين وجوب ترتيب الآثار عليه أو جوازه فلا يقتضي الفساد، وإن كان متعلقا بالآثار أو ترتيبها على المعاملة، فهو يناقض ذلك الدليل ويقتضي فساد المعاملة، وهذا عين ما حققناه سابقا، وأقمنا الحجة عليه، فافهم.