ونحن وإن أشبعنا الكلام في تصوير الأمر الترتبي وتحقيق إمكانه في مسألة مقدمة الواجب، لكن لا بأس [بذكره] (1) هنا - أيضا - على نحو الإجمال، والمحتاج إليه في المقام وإن كان توضيح المقال في الأمر المرتب على النهي الغيري، لكن لا بأس بتعميم المقال إلى تعرض الأمر المرتب على أمر آخر متعلق بالضد الأهم:
فاعلم أن الذي يتخيل مانعا منه أن الأمر بكل شيء إنما يقتضي امتثاله، ويستلزم إرادة ذلك الشيء والحب له وكونه ذا مصلحة داعية إليه وكونه حسنا أيضا - بمعنى مدح فاعله - ويستلزم أيضا كراهة ضده العام - بمعنى تركه - وكراهة ضده الخاص أيضا على القول بكون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده الخاص، وأيضا يستلزم البغض لضده العام والخاص على القول المذكور، وأن النهي عن كل شيء إنما يقتضي - أيضا - امتثاله، ويستلزم كراهة ذلك الشيء والبغض له وكونه ذا مفسدة داعية إليه، وكونه قبيحا - بمعنى ذم فاعله - وإرادة ضده الخاص والعام أيضا على القول المتقدم، والأمر بالأول وبالثاني - أيضا - على القول المذكور، فإن القائلين به إنما يقولون باقتضاء النهي عن شيء الأمر بضده الخاص، ومن المعلوم - أيضا - عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثال الطلبين المتعلقين بالضدين أو النقيضين في آن واحد، ومن البديهيات الأولية ثبوت التضاد بين الإرادة والكراهة، وبين الحب والبغض، وبين المصلحة والمفسدة، وبين الحسن والقبح.
فظهر من ذلك عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثالي الأمر والنهي المتعلقين بشيء واحد في آن واحد، أو شيئين متضادين كذلك، وثبوت التضاد بين لوازمهما - أيضا -، فحينئذ لو فرض الأمر بشيء مع تعلق النهي به حال الأمر