أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف؛ وذلك أن هذين الرجلين لا يخلوا من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين؛ فإن كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة، وإن كانا مختلفين، فكيف يجوز الاقتداء بهما؟ وهذا تكليف ما لا يطاق؛ لأنك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر.
والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا، وأشار عمر إلى أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة، فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة.
قال مصنف هذا الكتاب: في هذا فصل ولم يذكر [ه] (1) المأمون لخصمه؛ وهو أنهم لم يرووا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، وإنما رووا أبو بكر وعمر، ومنهم من روى أبا بكر وعمر، فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب: اقتدوا باللذين من بعدي: كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر، ومعنى قوله بالرفع: اقتدوا أيها الناس وأبو بكر وعمر باللذين من بعدي كتاب الله والعترة. رجعنا إلى حديث المأمون:
فقال آخر من أصحاب الحديث: فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا.
فقال المأمون: هذا مستحيل؛ من قبل أن رواياتكم أنه (صلى الله عليه وآله) آخى بين أصحابه