معاوية وافدا، فقال له: صف لي عليا. قال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال معاوية:
لابد من ذلك. فقال: أما إذا كان لابد من ذلك فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يعجبه من الطعام ما خشن، ومن اللباس ما قصر.
وكان والله يجيبنا إذا دعوناه، ويعطينا إذا سألناه، وكنا والله - على تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، ولا نبتدئه لعظمه في نفوسنا، يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويرحم المساكين، ويطعم في المسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة، يكسو العريان، وينصر اللهفان، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته.
وكأني به وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو في محرابه قابض على لحيته، يتململ تململ السليم (1)، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: " يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوفت؟ هيهات هيهات! لا حان حينك، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، عمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك يسير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فقال له معاوية: زدني شيئا من كلامه، فقال ضرار: كان يقول: أعجب ما في الإنسان قلبه... فقال له معاوية: زدني كلما وعيته من كلامه، قال: هيهات أن آتي على جميع ما سمعته منه (2).
راجع: (3) القسم العاشر / الخصائصه العملية / قصص من عبادته.