مولاه فعلي مولاه ".
والآن هلموا نبصر المشهد، ونتأمل فيه عن كثب. ما الذي كان يبتغيه النبي بكل هذا التمهيد، وفي فضاء مثل هذا تحتشد فيه الألوف المؤلفة؟ وما الذي كان يريده من إعلان هذا الكلام وسط جو حار ملتهب يتجمهر فيه هذا الجمع العظيم؟
هل كان ما يقصده من قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " هو الإعلان عن حب علي (عليه السلام) وحسب؟ ألم يتحدث النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الناس في أكثر من موضع من حجته الأخيرة؛ حجة الوداع العظيمة، عن أهل بيته، ويركز على مودتهم من بين ما تحدث به إلى المسلمين. أفتراه الآن جمع الألوف في هذه الرمضاء التي تشتعل النار في ترابها، طالبا منها الإصغاء إلى كلامه، وإلى أن يبلغ الشاهد الغائب؛ لمحض أن يوصيها بحب علي!
أيحتاج حب علي إلى وصية وهو سيد المؤمنين وأميرهم والشخصية الخارقة في مدرسة محمد (صلى الله عليه وآله) حيث لا تضاهي مكانتها شخصية في هذا الدين؟ ثم أليس المؤمنون مأمورون في كتاب الله بحب بعضهم بعضا، ومن ثم هم مأمورون بحب علي بالضرورة؟ فهل يحتاج كلام كهذا إلى كل هذا التمهيد والإعداد؟
سبق أن عرضنا أحاديث " حب علي " وقد ركزنا هناك أيضا إلى أنها تنطوي على مدلول أعظم، وغاية أسمى تتخطى حدود الحب الصوري العادي. ولطالما تساءلنا عن هذا العناء الذي تجشمه الناس في تلك الظهيرة الحارقة؛ فهل كانت هذه المشقة والأذى البليغ من أجل أن يسمع الناس كلاما يوصيهم بحب علي؟!
تكشف هذه المؤشرات بأجمعها أن ما كان يبتغيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجملته تلك يتخطى هذه التصورات العادية، ويتجاوزها إلى مدلول أهم وأخطر، هذا المدلول هو الذي أملى على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يعد - بأمر الله - هذا المشهد العظيم بوقائعه