آخر من الصحابة أيضا. والسؤال: هل أراد هؤلاء بمناداتهم عليا بالمولى، استنادا إلى الواقعة وإلى مدلول حديث الغدير؛ هل أرادوا بذلك " الحبيب " و " النصير "؟ إن الجنوح إلى مثل هذا الفهم لا تبرره إلا اللا أبالية كما ينم عن عدم الانصياع إلى أبسط الحقائق اللغوية والبيانية وأوضحها.
9 - مناشدة الإمام عندما رأى الإمام علي (عليه السلام) أن الجهاز السياسي الحاكم راح ينتهز الفرصة في تجاهل الواقعة وكتمانها، بادر إلى أسلوب فاعل لمواجهة ذلك. لم يلجأ الإمام إلى مواجهة الوضع الجديد على أساس صدامي مباشر، ولم ير من المناسب أن يلتحم في معركة حامية تثير الفتنة والاضطراب، لأسباب كان يقدرها، ومرت إليها الإشارة في موضعها. بيد أنه لم يكف يده قط عن إظهار الحق، والإجهار بالحقيقة وبما كان قد حصل يوم الغدير مستفيدا من أية فرصة تؤاتيه لإعلان ذلك. فإذا ما واجه أحدهم الإمام بسؤال كان يجيبه بصراحة، وإذا ما كان بين الناس ورأى الأجواء مؤاتية بادر هو للحديث عن واقعة الغدير طالبا ممن كان حضر الواقعة من الحاضرين أن يشهدوا بما أبصروا ورأوا.
كما كان يحصل أحيانا أن يقسم الإمام على أشخاص لاذوا بالصمت خوفا أو طمعا، ويحثهم على إظهار الحق والصدع به، حتى لا تضيع الحقيقة وتندثر في مطاوي النسيان.
إن الوقائع من هذا القبيل كثيرة، وقد اشتهرت في تصانيف المحدثين والمؤرخين ب " المناشدة "، وقد حصلت بوفرة سواء في عهد عزلة الإمام أو في عصر خلافته، لكي لا يضيع الحق على الجيل الجديد، ولا تلتبس عليه الحقيقة، ويصير ضحية التجهيل والتضليل.