وبذلك نحن نعتقد - كما يتفق معنا في ذلك أيضا المنصفون وأتباع الحق من جميع الفرق والمذاهب (1) - ان ما قصده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك المشهد العظيم الخالد، من خلال هذه الجملة المصيرية الخطيرة، هو الإعلان عن " ولاية " علي بن أبي طالب و " إمامته " و " زعامته " وليس أي شيء آخر. لقد أعد المشهد وتمت تهيئة ذلك الحشد العظيم لغرض واحد فقط، هو إعلان الولاية العلوية للمرة الأخيرة على مرآى الجميع، هو إعلان أخير لكن احتشدت فيه كل عناصر التأثير والجاذبية لكي يستعصي على النسيان ويستوطن وعي الجميع وذاكرتهم، حتى إذا ما أوشكت ساعة الرحيل ومضى النبي إلى ربه؛ لا يقول قائل: لم أدر ما الخبر؟ أو لم أكن أعلم بالأمر ولم أسمع به!
لهذا كله حرص النبي (صلى الله عليه وآله) على أن يأخذ من القوم العهد والميثاق، وأقرهم مرات على ما أبلغهم به، حتى إذا أقروا له، عاد يخاطب الجمع: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب ".
أما الآن فقد آن لنا أن ندرس ملازمات قلب هذا المعنى؛ فلو قلنا إن مدلول هذا الحديث النبوي لم يكن يعني الولاية وقيادة الأمة في المستقبل، فما هي اللوازم التي تترتب على هذا النمط من التفسير؟ هل ترى العقل يذعن للمشهد بمثل هذا التفسير؟ ثم ننعطف إلى تحليل الواقعة ودراسة مكوناتها وتأمل الكيفية التي انبثق على أساسها المشهد؛ لنخرج من حصيلة ذلك كله إلى أن الحقيقة تكمن فيما ذكرناه أثناء التحليل الاصطلاحي واللغوي لذلك الجزء من الحديث