أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيرا.
قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس! إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؛ من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
ثم قال: أيها الناس! إني فرطكم وإنكم واردون على الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؛ الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي؛ فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (1).
إن نسق بيان الخطبة ليدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) راح بادئ الأمر يهيئ القلوب ويعدها، ويدفع بالأفكار إلى التأمل، ويحث الآذان على الانتباه والإصغاء، حتى تنفتح بصائر القلوب، فيملأ الأفئدة إيمانا، وتستوطن كلماته الندية الشجية الأعماق، ذلك كله لكي لا ينقلب أحد من الناس في الغد وما بعد الغد إلى إنكار ما سمع من خطاب الرسول إلا أن يكون ذلك عن ضلالة وعمى، وعن عناد أمام الحق الصراح.
تحدث النبي صراحة بأن ساعة الرحيل قد أوشكت، وما أقرب أن يودع