هذا " الطبيب الدوار " (1)؟ وهل يصدق هذا على نبي لبث شامخا ناهضا متفانيا لم يتلعثم عزمه قط، ولم يكف عن التفكير في مستقبل الأمة والرسالة لحظة واحدة؟ حاشا رسول الله أن يفعل ذلك، وجلت عن ذلك حكمته وصوابه، وحزمه وثباته.
2 - كيفية انبثاق المشهد وانطلاق البلاغ: حج المسلمون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهموا بمغادرة مكة عائدين إلى ديارهم ومواضع سكناهم بعد أن انتهت المراسم. أفواج تتلوها أفواج، وقوافل يتبع بعضها أثر بعض، تترك البيت العتيق قاصدة العودة بأهلها من حيث أتوا. كذلك مضت قافلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترسل خطاها الثابتة صوب المدينة.
اقتربت القافلة النبوية من " وادي خم " وهو واد موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحر (2)، فجاء وحي السماء من فوره، يأمر النبي أن يقف حيث هو. وراح منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر من تقدم أن يعود، ويحبس من تأخر؛ ليجتمع الناس سواء في مكان واحد، حيث لم تتشعب بهم الطريق بعد.
أرض جرداء غير مسكونة مفتوحة على صحراء ممتدة الشمس فوق الرؤوس حارة لاهبة، وقد أمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يصنعوا له موضعا يرتقيه من أقتاب الإبل، حتى إذا خطب بالحاضرين يراه الجميع ويسمعونه.
احتشد المكان بعشرات الألوف (3)، أدى النبي (صلى الله عليه وآله) صلاة الظهر، ثم راح يستعد