ويستفاد من المصادر التاريخية بأن هناك فئة كانت تعاضد عمر وتؤازره في موقفه ذاك. وهذا ما يدل على وجود جماعة ضغط كان لها حضور حتى في المجالس الخاصة للرسول (صلى الله عليه وآله) بحيث إن الجدل واللغط اشتد، وأصبحت كتابة الوصية غير ذات جدوى.
والأدهى من كل ذلك هو أن البعض حاول إثبات صحة عمل الخليفة ولكن على حساب الانتقاص من الرسول (صلى الله عليه وآله)، فقالوا:
" إنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره؛ لأنه خشي أن يكتب (صلى الله عليه وآله) أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها؛ لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها " (1).
فالرسول (صلى الله عليه وآله) يقول لهم: أريد أن أكتب لكم شيئا لا تضلوا بعده أبدا، وهؤلاء يقولون: إن كتابة الرسول توجب العقاب، ومعارضة عمر له دليل على فقهه وفضله ودقيق نظره!! ونظرا لهذا التعارض الصريح بين رأي الرسول (صلى الله عليه وآله) ورأي الخليفة الثاني، كيف يمكن حينئذ تفسير هذه الإشادة بعمر؟!
والأعجب من ذلك هو التبرير الذي جاء به القاضي عياض لكل الواقعة؛ إذ أنه حرفها عن صورتها الأصلية، وأوردها على نحو مقلوب، بقوله:
" أهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ هكذا هو في صحيح مسلم وغيره: أهجر؟ على نحو الاستفهام، وهو أصح من رواية من روى: هجر أو يهجر؛ لأن هذا كله لا يصح منه (صلى الله عليه وآله)؛ لأن معنى هجر: هذى. وإنما جاء هذا من قائله استفهاما للإنكار على من قال: لا تكتبوا؛ أي لا تتركوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه؛