بينما في آخر لحظات عمر الرسول (صلى الله عليه وآله) فإن الوصية كانت تلقى أجواء أفضل للقبول، ومن الطبيعي أن القائد الذي شارف على الرحيل من هذه الدنيا بعد سنوات من الجهد في سبيل توطيد ركائز الدين، لابد أن يضع خطة للمستقبل يضمن فيها بقاء الدين ومصلحة الأمة، ولو أن الوجوه البارزة ما كانت لتثير الاختلاف واللغط وتعكر صفو الماء لكان الاحتمال قويا بأن لا يجد الذين أسلموا حديثا فرصة للمناورة.
وعلى هذا المنوال عزم الرسول (صلى الله عليه وآله) على أصل الوصية وكتابتها من جهة، وسعى من جهة أخرى من خلال أمره بتجهيز سرية أسامة لإبعاد أصحاب الادعاءات ومثيري الضجيج عن الساحة في سبيل توفير الأجواء لطرح المسألة نهائيا. ولا شك أن سرية أسامة لو كانت سارت على وجهتها، وأبعد مثيرو الشغب عن الساحة لكانت الوصية قد كتبت، والخلافة الحقة قد استتبت، ولقضي على كل ما يعكر صفو الأجواء، قبل عودتهم (1).
ولكن لماذا لم يصر النبي (صلى الله عليه وآله) على ما طلب، ولم يستثمر الفرصة المتبقية لكتابة الوصية؟
يكفي النظر إلى ما قيل حول المسألة للعثور على الجواب، وسبب ذلك يعود - كما صرح به مفكر بارع (2) - إلى أنهم جردوه من العصمة من الضلال بقولهم:
" هجر "!! ولهذا قال لهم فيما رواه ابن عباس بعد أن هدأت الضجة وقالوا له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: