إن هذه الكلمة العجيبة المدهشة لتومئ من جهة إلى ما يحظى به هذا البلاغ من شأو عظيم، كما تؤشر من جهة أخرى إلى حقيقة تفيد أنه ليس ثمة خيار أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا تبليغ هذه الرسالة، حيث أنذره ربه - إن هو لم يبلغ - بتلاشي جميع الجهود، وضياع كل تلك الآلام والمشاق التي طوتها الأعوام الثلاث والعشرون من عمر الرسالة، واضمحلال ما أنفق فيها من جهد وجهاد.
* (والله يعصمك من الناس).
في عين الله حراستك، وأنت في حفظه وحماه. كأنك - يا رسول الله - تتوجس خيفة من الأمر، وتخشى ردود فعل تلك النفوس المظلمة، وتتهيب هياجها وما تثيره من شحناء. لكن اعلم أن الله على كل شيء قدير.
سيزول مكرهم جميعا، ويغدو كهشيم تذروه الرياح، ويتلاشى كيد الناس، جميع (الناس)!
إن الله سبحانه ليؤكد في هذا الجزء مجددا على عظمة البلاغ، كما يشير أخرى إلى ذوي الريبة والنفوس المدلهمة. لكن من هم هؤلاء؟
لم يفصح النص عن شيء، بل مضى يوعد بزوال جميع ضروب المكر، وسقوط كل أحابيل الشيطان، وتلاشي المكائد جميعا، من أي إنسان كان!
إن كل كلمة في الآية لتسفر عن عظمة هذا البلاغ وسموه، وهي تومئ أيضا إلى مخاوف وهواجس، وإلى نفوس أناس موبوءة بالإحن والشحناء، مملوءة بالضغينة والغضب!
فيا ليت أولئك المفسرين والباحثين القرآنيين الذين جنحوا إلى أقوال أخر يبصرون بتأمل: أي شيء من (ما أنزل) يثير إبلاغه كل هذه الخشية