ابتدع الإمام هذا العلم. وأملى على أبي الأسود الدؤلي أصوله الجامعة، فقسم له الكلام كله إلى اسم وفعل وحرف، وقسم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وقسم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم، فكان هذا الذي ابتدعه أس السياج الواقي الذي درأ عن العربية عوادي العجمة واللحن، وأبقى لها اللب والسمت، وضمن صحة الضبط واستقامة اللسان.
ولم يكن بين أبنائها من هو مثله أدرى بها، وأعرف بأساليبها. فاق فيها كل ناطق وكاتب. فإذا هو أخطب من خطب، وبه اقتدى أدباؤها في الكتابة. لا يباريه في فنونها التعبيرية مبار حاكى وقلد أو جدد وابتكر. إذا خطب شدت الأسماع إلى طرف لسانه، وسكتت الأنفاس تصغي إليه، وإذا كتب فأقدر من بين أو أمر أو زجر، وإذا جادل فأبرع من حاج وقارع ودلل، وإذا حدث فأخبر من هدى ووعظ وذكر.
والحق أن ما عرف من إحاطته الشاملة بخصائص اللغة، وثورته الابداعية الطاغية في أساليبها هو بديهية البديهيات. وبحسبنا - للتدليل على تفرده بالدقة في سبك العبارات وبالإحكام في رسم صورها الجمالية، وبالقدرة الفائقة على تضمينها نظراته المعجزات، وآرائه الخوارق في أعضل المسائل وأعصاها - أن نشير إلى ما انتقل إلينا من آثاره الأدبية والفكرية فيما حفظه الناس، وتداولوه، وترنموا به، من خطب مئين كان يوردها ارتجالا عفو الخاطر، دون إعداد، وأن نومئ إلى ما حوته كتب الدارسين والعلماء والمؤرخين من رسائله ومأثوراته وحكمه ووصاياه. وبعض هذه وتلك من كنوز قد جمعه لنا الشريف الرضي في " نهج البلاغة " معالم وآيات على حضور بديهة، وتوقد ذهن، ونفح إلهام.
وهو صاحب السيف الذي كان الظفر دائما معلقا بطرف ذؤابته أينما جال