منه شأنا، وأبعد أثرا، وأخلد ذكرا. رجل أطل من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد، كتب عليه بأحرف من نور: لا إله إلا الله! الله أكبر!
إن العروبة المستيقظة اليوم في صدور أبنائها، من المغرب الأقصى إلى آخر جزيرة العرب، لأحوج ما تكون إلى التمثل بأبطالها الغابرين، وهم كثر، على أنه لم يجتمع لواحد منهم ما اجتمع لعلي من البطولة والعلم والصلاح. ولم يقم في وجه الظالمين أشجع من الحسين فقد عاش الأب للحق وجرد سيفه للذياد عنه منذ يوم بدر، واستشهد الابن في سبيل الحرية يوم كربلاء، ولا غرو فالأول ربيب محمد والثاني فلذة منه.
قد يقول قائل: ولم آثرت عليا دون سواه من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الملحمة؟ ولا أجيب على هذا السؤال إلا بكلمات، فالملحمة كلها جواب عليه، وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: رضي الله عنه، وكرم وجهه، وعليه السلام) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثلون بحكمه ويخشعون لتقواه، ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهدا وقنوتا، وينظر إليه المفكر فيستضئ بهذا القطب الوضاء، ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتم ببيانه، ويعتمده الفقيه المدره فيسترشد بأحكامه.
أما الخطيب فحسبه أن يقف على السفح، ويرفع الرأس إلى هذا الطود لتنهل عليه الآيات من عل، وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن، إذ دفعها إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: أنح هذا النحو. وكان علم النحو.
ويقرأ الجبان سيرة علي فتهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة، إذ لم تشهد الغبراء، ولم تظل السماء أشجع من ابن أبي طالب، فعلى ذلك الساعد الأجدل اعتمد الاسلام يوم كان وليدا، فعلي هو بطل بدر وخيبر والخندق وحنين ووادي الرمل