ولا شك في أن شجاعته في حلبات الصراع الحربي - وسيفه بيمينه - إنما نبعت من جنان ثابت، لا يهتز أمام الخطوب والقوارع وإن تراءى له خطر الموت كاشرا عن أنيابه يطل عليه من وراء لقاء سافر أو تآمر متستر دارعا كان في عدة الحرب أو صفر اليدين أعزل من السلاح. وليس أبين على جسارته، وقوة قلبه وثبات جأشه من مبيته ليلة الهجرة في فراش محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنه ليعلم تمام العلم أنه عندئذ أدنى إلى ألا يسلم من أسياف أولئك الفتية الأجلاد الألى أعدتهم قريش للانقضاض على الراقد وفي حسبانهم أنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقلما اجتمعت براعة القتال إلى براعة السياسة في انسان، ولكنه كان المحارب وكان السياسي في آن، بل هو - بتعبيرنا المعاصر - " رجل الدولة " الذي يرسم خطة العمل في الداخل وفي الخارج على صعيد أوليائه وصعيد أعدائه، فيحذق سياسة الناس كما يحذق سياسة الأمور، ويطوع كليهما لمقابلة كافة الاحتمالات في تطورات الأحداث وتغيرات الظروف بالحكمة وسعة التفكير وحسن التقدير، ومرونة المداولة بين مختلف أساليب المجابهة ليكبح شرة الأزمات ثم يلقاها بأنجع الحلول.
والواقع أن الإمام لم يدع سيرة عماله في الناس تمضي عفوا بغير معالم واضحة على الطريق، أو حدود مرسومة تبين الجادة السواء للسلوك في كلا أمور الدنيا والدين. وبحسب من شاء الرجوع إلى دلالة، أن يستعيد عهده للأشتر النخعي حين ولاه مصر، ليعرف أي دستور وضع لسياسة الأمور والناس، يدرك كل من يدرسه أنه وليد فكر سياسي عملاق عرف كيف يضع خطة متكاملة تتناول كل أوجه النشاط الإنساني في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، عمادها المواطن الكريم الحر الذي لا يفضله غيره إلا بالعمل الجاد المثمر الذي يتناسق