ضرار قال ضرار بن ضمرة الكناني لما طلب منه معاوية أن يصف له عليا: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبئناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول: يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت، أم إلي تشوقت هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق.
فبكى معاوية ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن