معانيه.
وما تكشف للإمام من كنوز " الإلهيات " لم ينبثق له عفوا، بل كان النتيجة اللازمة لتبصره في خلق الله، وتدارسه آيات كتابه، وتفهمه حكمه وأحكامه بروح شفيف ونفس وضاءة وذهن محيط، فلا مشاحة في نقاء الجوهر، ورهافة الحس، وحدة الذكاء، ودقة النظر، وعمق الوعي لديه وكلها الأدوات القادرة على الدراسة والبحث والاستقصاء، والضامنة لاستقامة التفكير وسلامة الاستقراء.
ولا مشاحة أيضا في أنه كان مهيأ لهذا الذي قدر له وأداه بحكم ملازمته - منذ طفولته - رسول الله، ومعايشته مقدمات الرسالة، قبل تنزل الوحي، والنبي عندئذ يخلو إلى نفسه، يتحنث ويتعبد بالغار وبداره، متأملا ما يرى من جلائل الآيات الكونية، وحركة الزمن، وقوانين العدم والوجود، وما إليها من ظواهر وخوارق، تشهد بقدرة قاهرة أزلية ليست ككل القدرات، قدرة تحكم التقدير والتدبير، وتكون لمن يتفكر فيها ابتغاء الاهتداء أقرب إلى الاستجلاء.
عايش على هذه الفترة من نشدان الحقيقة الواحدة، فإذا هو يعجب لمحمد، ثم يعجب به. ثم يتابعه على نفس نهجه متابعة تلميذ لأستاذه، ومستهد لهاديه، حتى ليدرك، في سنه الغضة، عن الموجد المدبر، ما لم يدرك غيره من الناس أجمعين. وحتى لنسمعه يتحدث بما هداه إليه حسه المرهف، وروحه الشفيف فيقول: " كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا " ويقول: " لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين " وتلك هي المدة التي قضاها منذ كفله محمد حتى نزلت الرسالة، وأذن للنبي في الإنذار والتبليغ.
لهذا لا ندهش إذ يصفه أبو الحسن البصري، فيقول: " كان رباني هذه الأمة "