خطوة يخطوها على هذا النهج القويم أمر الله للإنسان أن ينهض العقل من سباته، ويدفعه إلى النظر والتفكير تلمسا للعلم حيثما يكون.
وكم عرف الإمام، وكم تفرعت به المعرفة وانشعبت سبلا، فمشى منها في كل سبيل إلى مداه، وكم ألم منها بقديم، واهتدى إلى جديد.
والذي أحاط به خبرا عالم من العلم فسيح فسيح، كشفه وراده، ظاهرا وباطنا، جهد ذهني متقحم دؤوب. وعى جزئياته وكلياته وأشربها عقلا المعيا لماحا فلقد كان على عبقرية ذهنية لا تتكرر، وكان عقله لا يمل النظر فيما انتقل إليه من تراث البشرية الفكري عبر الأجيال في الروايات والأسفار، كما لا يكل من الطواف بمشاهد الكون ومرئياته، لا يكتفي منها بحصيلة البصر، وإنما يمضي إلى ما وراء المنظور كشفا عن غوامض المبهم وأسرار المستور. لم يتوان قط عن الترحل في البحث إلى أغواره، ولم يكف قط عن التعلم، ولم يضق قط عن معلوم ثقفه أو استخرجه من مجهول. كل ما علمه وعاه، وكلما وعى استزاد، وكلما تقاطرت عليه المعارف وجد فيضها لديه سعة في عقله المنهوم الصديان الذي كان كأرض رمضاء لا يكاد يطفئ ظمأها وينقع غلتها كل ماء السماء.
وكيف يوصد العقل بابه في وجه العلم وإنه لآت يأتيه بزاد جديد؟ في هذا يقول الإمام: " كل وعاء يضيق بما فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع ". فما أحكم قولته، وأدق وصفه.
فالعلم الإلهي، وهو أشرف العلوم لاتصاله بأشرف معلوم، إنما " اقتبس من كلامه، عنه نقل، وإليه انتهى، وبه ابتدأ. فإن المعتزلة - الذين هم أهل التوحيد والعدل، وأرباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن - تلامذته وأصحابه لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم