الأفراد في أدائه يدا واحدة، وفكرا واحدا، على طريق واحد في هداية الدين.
ولقد نعجب حين نرى الإمام، في عهده هذا، قد حدد المبادئ العامة للحكم التحديد الواضح الذي ظلت المذاهب السياسية تصطرع وتتبارى للاهتداء إليها على مدى قرون طويلة، وأخذ كل مذهب يدعى لنفسه بلوغه منها ما لم يبلغه سواه.. وكفى أن أكد ضرورة التئام أبناء الأمة وحدة اجتماعية وسياسية، وثيقة العرى بغير تفرقة، وإنما في مساواة كاملة بين كافة المواطنين وإن تباينت أوضاعهم الاجتماعية، واختلفوا رأيا وعقيدة. فالناس - كما يسجل العهد -: " إما أخ في الدين أو نظير في الخلق "، والرعية: " طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض ".
ومع ذلك فإن " العهد " يقرر أن القاعدة " الجماهيرية " العريضة التي تؤلف غالبية الشعب، أحق بالرعاية، لأن العامة من الأمة: " هم عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للأعداء ". ومن ثم فإنه يرتب لهم على الدولة واجبا قبلهم: أن تكفل لهم مستوى كريما من المعيشة يحفظ عليهم شرف آدميتهم. " فلكل على الوالي حق يقدر ما يصلحه ". ويوجب عليها أيضا رعاية " من لا حيلة لهم " من المساكين والمحتاجين والمتعطلين وذوي العاهات والمرضى وأمثالهم، ففرض لهم قسما من بيت المال، وقسما من غلات صوافي الإسلام.
ويطول المدى بمن يحاول تعقب ما حواه عهد علي للأشتر. فكفى أنه دستور لسياسة الحكم جاء من المبادئ بكل ما يناسب مجتمع عصره، وبكل ما يبدو وكأنه وضع ليوافق مجتمعنا الحديث. وكفى أنه يعرض لكافة المشكلات ويصف لها الحلول. وكفى أنه يطوف بكل ما يشغل الناس في رحلات حياتهم اليومية ويتصل بجوانبها الروحية والعقلية من عقيدة وعلم وتربية نفسية وسلوك اجتماعي