وصال.
شجاع كما لم تكن قط شجاعة الشجعان، فارس كما لم تكن قط فروسية الفرسان. ما تحرف إلا لقتال، ولا فر في موطن نزال، ولا ارتاع من كتيبة فضلا عن انسان، ولا بارز إلا صرع وجندل، ولا هاجم إلا أصمى وقتل. كرته لا ترتد ولا ترد. وضربته لا تحتاج إلى ضربة ثانية. ومن كتبت لهم النجاة من أعدائه ومناجزيه في معاركه، وامتد بهم الأجل ظلوا طوال عمرهم يفاخرون بشرف وقوفهم في الحرب في مقابلته.
بل كانت العرب - وإن أثخن فيها فأيتم منها من أيتم، وأيم منها من أيم - تتباهى بسقوط صناديدها صرعى بحد سيفه.
قالت أخت عمرو بن عبد ود - فارس العرب الأول، وصريعه يوم الخندق - مباهيه وهي ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا يعاب به * من كان يدعن قديما بيضه البلد (1) وكان دائما سباقا إلى الجهاد في سبيل الله، مشغوفا في ميادينه بلقاء الأعداء، يقبل ويقتحم حين يؤثر غيره من الأبطال أن يتردد ويحجم، ويصبر على استعار القتال حيثما يستعصي الصبر على كل جلد صبور، ويغالب الموت بالارتماء بين أنيابه فيهرع الموت إلى الفرار. سيفه من سرعة دورانه في المعامع يبدو كغابة من سلاح، ويمينه تباري الكتائب في حش رقاب الأعداء، حتى لكأنه جيش موفور العدد والعتاد. سقط على أرض بدر الكبرى سبعون مشركا صرعى، قتل وحده