ملك عليه معاوية وعسكره في صفين شريعة الفرات، ومنعوه وجنده الماء، فلما سألهم أن يشرب الجيشان على سواء، أبى طاغية الشام ورجاله ما أراد، وأجابوه عتوا وصلفا، قائلين: " لا والله.. ولا شربة ماء حتى تموت ظمأ كما مات عثمان... " فحمل عليهم، فأزالهم عنوة عن مراكزهم، وأجلاهم إلى الفلاة حيث الصدى والجفاف. عندئذ قال له أصحابه: "... امنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة... واقتلهم بسيوف العطش... ".
لكن أريحيته أبت أن يصغي لغضبهم وغضبه على أولئك القوم المارقين من طاعته الغالين في عداوته. وقال: " لا أكافئهم بمثل فعلهم. أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ".
وخلى بينهم وبين الماء..
وأسر، يوم الجمل، عبد الله بن الزبير، وكان الناهض ظلما في حربه، الموغل غيا في بغضه.، المسرف إفكا في سبه. فلما جئ به إليه عفا عنه ورد عليه حريته..
وقال له:
" اذهب فلا أرينك.. ".
ولم يزد على ذلك..
وبمثل هذا عامل مروان بن الحكم، وطائفة غيره كثيرة من مناوئيه.
وبمثله عامل قبلهم الخارجين عليه من أهل البصرة، بعد أن أظفره الله بهم.
فوهبهم الأمن والسلامة. لم يقتل منهم، ولم يغنم مالا، ولا سبى ذرية.
وكان، إلى هذه الأريحية الكريمة، لا يقرن صفحه بمن، ولا يتطلع من ورائه لشكر. وكيف لا وصفحه تقدمة إلى الله وحده تترفع عن مثوبة العبيد؟