أثر أنه كان يعمل عند يهودي في المدينة، فلا يزال يكد ويكدح حتى تتشقق يداه، فإذا فرغ من عمله، فإنه لا يلبث، في أغلب الأحايين، أن يتصدق بكل أجره كأنما كان يتعب لغيره.
بل كأنما يسعى إلى الخصاصة، فما أكثر ما كان ينزل هانئ القلب راضيا، لمسكين، أو يتيم، أو أسير، عن قوته وقوت عياله..
كان يصوم ويطوي، ويطوي معه أهله، ليؤثر بزادهم وزاده. دائما الحرمان طريقه، والجوع رفيقه.
وكما كانت أريحيته تدفعه إلى الجود بالمال وإن هو أعوز وعانى الجوع، فقد كانت أيضا تدفعه إلى الكرم بالحلم وإن هو ضيع حقه وغص بالأذى والكنود.
إنها الأريحية التي تسخو بالماديات، وتسخو بالمعنويات، إنها عطاء ومنح وإنفاق، تهب الدرهم واللقمة والكساء، كما هي حلم وصفو وعفو تهب الكرامة والأمن والحرية.
فهو أقبل الناس لإنابة منيب تائب، وأسرعهم لغفران زلة خاطئ مذنب. إن ناله من عدوه ضرر، كان أعجل إليه بالعفو منه بالعقوبة، وبالصفح منه إلى رد الصاع. أثبت من أن يخرجه من حلمه غضب على خصم جاحد، وأسمح بالتجاوز عن شنآن غريم حاقد، يصفح وهو الموتور، ويعفو وهو القادر، ويغفر قربة إلى الله.
وكان يقول:
" إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.. ".
ويقول:
" العفو زكاة الظفر.. ".
وكم أدى من أمثال هذه الزكاة..